فتاوى الجهاد
قال سماحة الشيخ
عبد العزيز بن باز –رحمه الله تعالى- في حقيقة الجهاد: إن (الجهاد الصادق
فذكره سبحانه في عدة آيات، وذكر ما يترتب عليه من النصر في الدنيا والسعادة
في الآخرة، وبين صفات المجاهدين الصادقين ليتميزوا من غيرهم، فقال تعالى:
انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ
وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ
تَعْلَمُونَ
وقال تعالى:
يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا
وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ
وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ
وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ
خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ
سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ
فتأمل أيها المؤمن هذه الصفات العظيمة للمجاهد الصادق
حتى يتضح لك حال المسلمين اليوم، وحال المجاهدين السابقين، وحتى تعرف سر
نجاح أولئك وخذلان من بعدهم، وأنه لا سبيل إلى إدراك النصر في الدنيا
والسعادة في الآخرة إلا بالتخلق بالأخلاق التي أمر الله بها ودعا إليها
وعلق بها النصر، وقد أوضحها الله سبحانه في كتابه المبين في هذه الآيات
التي ذكرناها وغيرها، وقال عز وجل:
يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ
مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ
فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ
لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ
وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ
طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَأُخْرَى
تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ
وقد جمع الله سبحانه في هذه الآيات أسباب النصر وردها
إلى عاملين أساسيين وهما: الإيمان بالله ورسوله، والجهاد في سبيله، ورتب
على ذلك مغفرة الذنوب والفوز بالجنة في الآخرة، والنصر في الدنيا، والفتح
القريب، وأخبر سبحانه أن المسلمين يحبون النصر والفتح، ولهذا قال:
وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ
فإذا كان ملوكنا وزعماؤنا في مؤتمرهم هذا يرغبون رغبة
صادقة في النصر والفتح القريب والسعادة في الدنيا والآخرة، فقد أوضح الله
لهم السبيل، وأبان لهم العوامل والأسباب المفضية إلى ذلك، فما عليهم إلا أن
يتوبوا إلى الله توبة صادقة مما سلف من تقصيرهم وعدم قيامهم بما يجب عليهم
من حق الله وحق عباده، وأن يتعاهدوا صادقين على الإيمان بالله ورسوله
وتحكيم شريعته والاعتصام بحبله وجهاد الأعداء صفا واحدا بكل ما أعطاهم الله
من قوة، وأن ينبذوا المبادئ المخالفة لشريعة الله وحقيقة دينه، وأن
يعتمدوا عليه سبحانه دون غيره من المعسكر الشرقي أو الغربي، وأن يأخذوا
بالأسباب ويعدوا ما استطاعوا من القوة بكل وسيلة أباحها الشرع، وأن يكونوا
مستقلين ومنحازين عن سائر الكتل الكافرة من شرقية وغربية، متميزين بإيمانهم
بالله ورسوله واعتصامهم بدينه وتمسكهم بشريعته.
أما السلاح
وأصناف العدة فلا بأس بتأمينها من كل طريق وبكل وسيلة لا تخالف الشرع
المطهر، والله المسئول بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعل هذا المؤتمر
مباركا، وأن ينفع به عباده، وأن يجمع به شمل المسلمين ويصلح به قادتهم
ويوفق المجتمعين فيه لما فيه رضاه وعز دينه وذل أعدائه، ورد الحق المسلوب
إلى مستحقه ، ونبذ ما خالف دين الإسلام من مبادئ وأخلاق.
وقال صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه لما بعثه إلى خيبر:
فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم
متفق على صحته.
وفي هذه
الأحاديث وما جاء في معناها تنبيه للدعاة إلى الله والمجاهدين في سبيله على
أن المقصود من الجهاد والدعوة إلى الله سبحانه هو هداية البشر وإخراجهم من
الظلمات إلى النور وانتشالهم من وهذه الشرك وعبادة الخلق إلى عز الإيمان
ورفعة الإسلام وعبادة الإله الحق الواحد الأحد الذي لا تصلح العبادة لغيره
ولا يستحقها سواه سبحانه وتعالى، وليس المقصود من الدعوة والجهاد هو سفك
الدماء وأخذ المال واسترقاق النساء والذرية وإنما يجيء ذلك بالعرض لا
بالقصد الأول، وذلك عند امتناع الكفار من قبول الحق وإصرارهم على الكفر
وعدم إذعانهم للصغار وبذل الجزية حيث قبلت منهم فعند ذلك شرع الله للمسلمين
قتالهم واغتنام أموالهم واسترقاق نسائهم وذرياتهم، ليستعينوا بهم على طاعة
الله ويعلموهم شرع الله، وينقذوهم من موجبات العذاب والشقاء ويريحوا أهل
الإسلام من كيد المقاتلة وعدوانهم ووقوفهم حجر عثرة في طريق انتشار الإسلام
ووصوله إلى القلوب والشعوب، ولا ريب أن هذا من أعظم محاسن الإسلام التي
يشهد له بها أهل الإنصاف والبصيرة من أبنائه وأعدائه، وذلك من رحمة الله
الحكيم العليم الذي جعل هذا الدين الإسلامي دين رحمة وإحسان وعدل ومساواة
يصلح لكل زمان ومكان ويفوق كل قانون ونظام، ولو جمعت عقول البشر كلهم
وتعاضدوا على أن يأتوا بمثله أو أحسن منه لم يستطيعوا إلى ذلك من سبيل،
فسبحان الذي شرعه ما أحكمه وأعدله ، وما أعلمه بمصالح عباده، وما أبعد
تعاليمه من السفه والعبث وما أقربها من العقول الصحيحة والفطر السليمة.
فيا أيها الأخ
المسلم، ويا أيها العاقل الراغب في الحق تدبر كتاب ربك وسنة نبيك كل وادرس
ما دل عليه من التعاليم القويمة والأحكام الرشيدة والأخلاق الفاضلة تجد ما
يشفي قلبك ويروي غلتك ويشرح صدرك ويهديك إلى سواء السبيل.
ونسأل الله أن
يصلح أحوال المسلمين، ويفقههم في الدين، وينصر بهم الحق، وأن يوفق ولاة
أمرهم لكل ما فيه صلاح العباد والبلاد، وأن يعينهم على القيام بالدعوة إليه
على بصيرة إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله
وصحبه أجمعين.
Tidak ada komentar:
Posting Komentar